هو السلطان محمد الفاتح .
هو السلطان محمد خان الثاني بن مراد الثاني العثماني فهو السلطان السابع في سلسلة آل عثمان الملقب بالفاتح وأبي الخيرات ولد سنة 833هـ وكان ترتيبه الثاني في أخوته حيث كان يسبقه أخ له اسمه علاء الدين استشهد في ميادين الجهاد .
تربى محمد الثاني منذ نعومة أظافره على معاني البطولة والجهاد والقيادة والصلاح فقد كان أبو السلطان مراد الثاني يربي أبنائه ليكونوا قادة عظام يحملون الراية من بعده , لذلك فإن أباه عهد به لعدد من المربين والعلماء الأفاضل لتربيته على القيم الإسلامية والمعاني الجهادية ولقد لاحظ أبوه أن محمداً به ميل للترف واللهو وأنه لا يستجيب لمعلميه فسأل مراد الثاني عن معلم ومربي يستطيع أن يسيطر على الفتي محمد فقيل له العالم الرباني المولى 'أحمد بن إسماعيل الكوراني' فأحضره مراد الثاني وأعطاه قضيباً ليضرب به محمداً إذا لم يتعلم منه فذهب الكوراني لمحمد ودخل عليه والقضيب بيده فقال له 'أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري , فضحك محمد من ذلك الكلام فضربه الكوراني في ذلك المجلس ضرباً شديداً حتى خاف منه وختم القرآن في مدة يسيرة ثم علمه العلوم الإسلامية وقرأ عليه كتب التاريخ وظهر نبوغ محمد على سائر الأمراء واستطاع أن يتقن ثلاث لغات هي التركية والفارسية والعربية .
حرص السلطان مراد الثاني على الدفع بولده الصغير منذ أن كان في الثانية عشر من عمره للمراكز القيادية ولما رأى مراد من ولده كفاءة وحسن قيادة رقاه إلى مكانة سامية فتنازل عن السلطنة بأسرها ومحمد في الرابعة عشر ودخل مراد في خلوة للتعبد والتأمل ولكن لم يترك مشروعه لإعداد قائد عظيم يتعرض لتيارات الأعداء والمعارضين داخلياً وخارجياً بل ظل يراقب مشروعه عن كثب ليتدخل في الوقت المناسب وبالفعل تدخل مرتين مرة عندما أعلنت أوروبا الصليبية الحرب على العثمانيين لصغر سن سلطانهم فخرج مراد من عزلته وقاد المسلمين لانتصار ساحق على الصليبيين في موقعة فارنا في 28 رجب 852 هـ ثم عاد مرة أخرى لخلوته وترك ولده محمداً سلطانًا على البلاد ثم خرج مرة أخرى عندما حدثت اضطرابات داخلية على يد الجنود الانكشارية الذين استضعفوا سلطانهم وخرج لهم مراد وأدبهم .
- إن أعداد القائد ليست مسألة عفوية تترك لأقدار الله دونما تخطيط وأخذ بالأسباب أو أنها مسألة نبوغ فردي شخصي لفرد يقتحم الصفوف وحده حتى يصل لسدة الحكم والقيادة بل هي عملية شاقة وطويلة تبدأ منذ نعومة الأظافر لتنمية الملكات واكتشاف المهارات وصقل القدرات في عملية متتابعة لتنشئة القائد المرجو .
- إن هذا الإعداد لا يقتصر على الجانب الديني والوازع الإيماني فقط بل هي عملية بناء متكامل لقائد سوف يسوس أمة تعيش حياتها وتحتاج من يصلح لها حياتها كما يحفظ لها الدنيا المليئة بالكثير من المتغيرات والمستجدات التي تحتاج للجمع بين الأصالة والحداثة .
- إن التدريب العملي لوظيفة القائد هي التي سوف تظهر مدى سلامة وجدية المشروع القيادي ومدى صحة النموذج المطروح لذلك فإن البعض إذا كان خارج الولاية لم يبد منه أي شائبة أو ناقصة ولكنه إذا دفع به الأرض الواقع وميادان التجربة تظهر عيوبه وخروقه لذلك فلقد حرص الوالد مراد على اختبار الابن محمد فدفع به أولاً لمنصب الولاية على مقاطعة صغيرة ثم دفع به بعد ذلك لأعلى درجة 'السلطنة' ثم لم يتركه وحده يعاني مرارة التجربة وقسوة الاختبار بل ظل يسانده حتى اشتد عوده .
العالم أحمد بن اسماعيل الكوراني :
الذي تولى تحفيظ محمد القرآن وقراءة الكتب الشرعية وربى محمداً على تعظيم أوامر الله والتزام حدود الشريعة والتقوى والصلاح وكان هذا المربي الفاضل يمزق الأمر السلطاني إذا وجد به مخالفة للشرع ولا ينحنى للسلطان ويخاطبه باسمه مباشرة ويصافحه ولا يقبل يده لذلك فإنا نجد أثر هذه التربية الصحيحة على محمد فنجده عند ولايته يعظم الشرع وعلماء الدين وأهل الورع والتقى حتى كان أن يقتل أحد أتباعه لأنه قد قام بضرب أحد القضاة ورفض تنفيذ حكم الشرع الذي قضى به هذا القاضي , ونجد أن محمد الفاتح يجعل حاشيته وبطانته وخواصه من العلماء والصالحين وكان لا يسمع عن عالم في مكان أصابه عوز أو إملاق إلا بادر بمساعدته وكان من عادته في شهر رمضان أن يعقد مجلساً بعد صلاة الظهر يحضره العلماء المتبحرين في التفسير فيقوم كل مرة واحد منهم بتفسير آيات من القرآن الكريم ويناقشه باقي العلماء وكان الفاتح يشاركهم في ذلك , ويذكر عنه أنه لما انتصر على زعيم التركمان حسن الطويل وكان هذا الرجل دائم العدوان والغدر والتحالف مع أي ملة ضد العثمانيين أمر الفاتح بقتل الأسرى إلا من كان من أهل العلم والمعرفة مثل القاضي محمد الشريحي الذي خرج مكرها مع الطويل وكان هذا العالم من فضلاء زمانه فأكرمه الفاتح لعلمه رغم عدوانه .
أما المعلم الثاني هو الشيخ محمد بن حمزة الروحي الملقب بأق شمس الدين :
وكان لهذا الشيخ أعظم الأثر في حياة القائد محمد الفاتح حيث رباه على أمرين عظيمين :
1- مضاعفة حركة الجهاد العثمانية .
2- الإيحاء دوماً لمحمد منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوي لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش' حتى تشبع فكر محمد على أنه المعني بهذا الحديث وكان أول ما فعله بعد ولايته الإعداد لفتح القسطنطينية وقد كان .
حتى أن أهل التاريخ يقولون أن الشيخ أق شمس الدين هو الفاتح المعنوي للقسطنطينية وهذا الشيخ هو الذي علم الفاتح العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ وأساليب الحرب وأعطى للفاتح درساً في صغره لم ينساه أبداً يدل على مدى فهم هذا الشيخ لمعنى تخريج وتربية قائد رباني فلقد استدعى الفاتح يوماً ثم قام بضربه ضرباً شديداً بلا سبب وبكى الفاتح بشدة وظل يتذكر تلك الواقعة حتى لما تولى السلطنة أيام أبيه مراد استدعى شيخه أق شمس الدين وسأله بغضب شديد 'لما ضربتني يوم كذا ولم أكن قد فعلت ما استحق عليه الضرب؟' فقال له شيخه : 'أردت أن أعلمك كيف يكون طعم الظلم وكيف ينام المظلوم حتى إذا وليت الأمر لا تظلم أحداً' فما كان من الفاتح إلا أن اعتذر لشيخه وقبل رأسه ويده .
وعندما أراد الفاتح بعد فتح القسطنطينية أن يعتزل ويتفرغ للعبادة سأل الشيخ أق فقال له الشيخ 'إنك إذا دخلت الخلوة تجد لذة تسقط عندها السلطنة من عينيك فتختل أمورها وما أنت فيه أفضل من دخولك للخلوة والتعبد' وهذا فهم عظيم من هذا المربي الصالح .
وهكذا ربى هذا العالم الرباني تلميذه النجيب ليتولى القيادة على معاني عظيمة وربطه بهدف أسمى يسعى إليه ويوجه إليه كل طاقاته وذلك بالقطع في صالح الأمة بأسرها .
من هو محمد الفاتح:
أحمد تمام
محمد الفاتح أراد فتح روما
شاءت الأقدار أن يكون السلطان العثماني محمد الفاتح هو صاحب البشارة التي بشّر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه: "لتَفْتَحُنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [مسند أحمد: 4/335].
وانتظر المسلمون ثمانية قرون ونصف قرن حتى تحققت البشارة، وفُتحت القسطنطينية بعد محاولات جادة بدأت منذ عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه (32هـ=652م)، وازدادت إصرارًا في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في مرتين: الأولى سنة (49هـ = 666م) والثانية بين سنتي (54-60=673-679م)، واشتعلت رغبة وأملاً طموحًا في عهد سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي سنة (99هـ=719م).. لكن هذه المحاولات لم يُكتب لها النجاح والتوفيق.
نشأة محمد الفاتح
ولد السلطان محمد الفاتح في (27 من رجب 835 هـ = 30 من مارس 1432م)، ونشأ في كنف أبيه السلطان "مراد الثاني" سابع سلاطين الدولة العثمانية، الذي تعهّده بالرعاية والتعليم؛ ليكون جديرًا بالسلطنة والنهوض بمسئولياتها؛ فأتم حفظ القرآن، وقرأ الحديث، وتعلم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وأمور الحرب، وإلى جانب ذلك تعلم العربية والفارسية واللاتينية واليونانية، واشترك مع أبيه السلطان مراد في حروبه وغزواته.
ثم عهد إليه أبوه بإمارة "مغنيسيا"، وهو صغير السن، ليتدرب على إدارة شئون الدولة وتدبير أمورها، تحت إشراف مجموعة من كبار علماء عصره، مثل: الشيخ "آق شمس الدين"، و"المُلا الكوراني"؛ وهو ما أثر في تكوين شخصية الأمير الصغير، وبناء اتجاهاته الفكرية والثقافية بناءً إسلاميًا صحيحًا.
وقد نجح الشيخ "آق شمس الدين" في أن يبث في روح الأمير حب الجهاد والتطلع إلى معالي الأمور، وأن يُلمّح له بأنه المقصود ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، فشبَّ طامح النفس، عالي الهمة، موفور الثقافة، رهيف الحس والشعور، أديبًا شاعرًا، فضلاً عن إلمامه بشئون الحرب والسياسة.