هو من آيات الإبداع المقترن بالإصرار والعزيمة. لم يمنعه فقدانه لحبيبتيه من النبوغ والتميز من بين أقرانه بل وطوال مراحل حياته. وهو المثال الذي يجب أن يستذكره كل أولائك الذين يستسلمون عند أول مشكلة تواجههم، ولا يكفون عن التضجر والسخط، فيضيعون على أنفسهم ، وبالتالي على مجتمعاتهم، فرص النجاح وتحقيق النماء ويكتفون بالعيش فقط من أجل العيش، دون أهداف أو طموحات. والدليل على ما قلناه، أن اسم الرجل لا زال يذكر في مختلف المحافل الأدبية والعلمية، رغم مضي ما يربو عن 35 سنة عن وفاته.
أبصرت عينا طه حسين النور لأول مرة في 14 نونبر/ تشرين الثاني لسنة 1889م في إحدى قرى محافظة المنيا جنوب مصر، في عائلة متواضعة ووسط عدد كبير من الإخوة كان هو أوسطهم سنا. لكن عهد طه بنور الشمس لن يدوم طويلا، حيث سيخطف مرض الرمد الحبيبي بصره وهو طفل صغير بسبب سوء العلاج وضعف الإمكانيات. وعلى عكس ما كان ينتظره الجميع، نما عند الصغير عزم كبير وإرادة قوية، دفعته إلى الالتحاق بكتّاب القرية لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وهو ما كان له بالفعل.
وفي سنة 1902 انتقل طه حسين إلى القاهرة، لمتابعة تعليمه في جامع الأزهر حيث ستبدأ رحلته العلمية. وبعد ست سنين من السجال والتمرد على طرق التدريس والمقررات قضاها بين أروقة الأزهر، قرر التسجيل في الجامعة المصرية حيث وجد مراده وتلقى دروس الحضارة الإسلامية وتاريخ مصر القديم إضافة إلى الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والأدب والفلسفة. وفي ماي/ أيار 1914م، ناقش طه حسين أطروحة الدكتوراه في الأدب العربي حول أبي العلاء المعري.
في نفس السنة سيحصل طه حسين على منحة دراسية إلى فرنسا، وتحديدا جامعة مونبولييه. وبذلك يتحقق حلمه الذي لم يفارق مخيلته بالتعرف على الغرب عن كثب، وهو الذي طالما أبدى إعجابه بتياراته الفكرية والأدبية وتبنى الكثير منها. بعيد ذلك سيلتحق بجامعة السوربون بالعاصمة باريس ما بين 1915 و 1919 حيث سيحصل على الإجازة. كما تمكن من نيل شهادة الدكتوراه عن رسالة أعدها باللغة الفرنسية كان موضوعها: "دراسة تحليلية نقدية لفلسفة بن خلدون الاجتماعية". وأثناء ذلك، سيتزوج طه حسين من سيدة فرنسية هي سوزان بريسّو، التي لعبت دورا كبيرا في حياته سواء على المستوى الشخصي أو العلمي الأدبي المحض، حيث كانت تقرأ عليه الكثير من المراجع وتوفر له الكتب المكتوبة بطريقة برايل ليتمكن من القراءة معتمدا على نفسه. وقد أحبها حبا جما حتى قال إن قلبه لم يعرف الألم مذ سمع صوتها، وكان له منها أمينة ومؤنس.
وبعد عودته من فرنسا، تقلد طه حسين العديد من المهام، منها تدريسه لمادة التاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية ثم شغل فيها منصب أستاذ لتاريخ الأدب العربي. وبعد فصله من الجامعة المصرية بسبب سيل الانتقادات التي تعرض لها بعد نشره كتاب "الشعر الجاهلي" سنة 1926، احتضنته الجامعة الأمريكية بالقاهرة ثم أصبح مستشارا لوزير المعارف فمديرا لجامعة الإسكندرية حتى أحيل على التقاعد سنة 1944. وفي عام 1950 سيعين وزيرا للمعارف، وهو المنصب الذي مكنه من قيادة العديد من المشاريع الكبرى على مستوى البلاد كلها، كان أهمها مجانية التعليم. كما شغل طه حسين رئاسة التحرير لعدد من الصحف وقام بكتابة العديد من المقالات إضافة إلى عضويته بالعديد من المجامع العلمية المحلية والأجنبية.
وفي 28 أكتوبر 1973، توفي طه حسين عن عمر ناهز 74 سنة تاركا وراءه عددا من الكتب والروايات والبحوث القيمة التي أثرت الخزانة العربية أيما إثراء وفتحت مجالات جديدة للنقاش بين مختلف فعاليات الفكر داخل المجتمع العربي قاطبة. ومن أبرز ما كتبه نذكر:
الأيام ؛ على هامش السيرة؛ حديث الأربعاء؛ مستقبل الثقافة في مصر؛ الوعد الحق؛ في الشعر الجاهلي؛ المعذبون في الأرض؛ دعاء الكروان؛ فلسفة ابن خلدون الاجتماعية؛ من بعيد، صوت أبي العلاء؛ الديمقراطية في الإسلام؛ طه حسين والمغرب العربي...
تاريخ الميلاد: 1889
تاريخ الوفاة: 1973