صلاح الدين الأيوبي
في زمن استباح فيه الأجنبي الغاشم حرمات الأوطان وعلقت في أوحال الوهن والعصبية الجاهلية عقول المسلمين لا تململ، ظهر صلاح الدين، ليعيد للمسلمين هيبتهم وعزهم مطفئا نار الطائفية التي كانت تأكل أفئدتهم وموحدا إياهم خلف لواء الجهاد الأصيل. فبدأ بنفسه قبل دعوة غيره، فحق له أن ينال مبايعة المسلمين ودعمهم من جهة، واحترام أعدائه من القادة والمفكرين من جهة أخرى.
ولد يوسف بن أيوب بن شاذي المعروف بالناصر صلاح الدين بتكريت في العراق سنة 532هـ / 1137 م وترعرع في أحضان والده الذي كان قائدا مقربا من السلطان السلجوقي الكبير أمير الدين محمود حاكم الشام والعراق الذي تصدى لحملات الصليبيين على بلاد الإسلام وكان يسعى لتوحيد كل بلاد الإسلام بما فيها مصر الخاضعة للدولة الفاطمية التي كانت تعيش آخر أيامها وكانت محط أطماع الصليبيين.
وقد كان تنافس الفاطميين على السلطة في مصر شديدا دمويا، مما اضطر معه الوزير الفاطمي شاور إلى الاستنجاد بأمير الدين محمود ضد ضرغام بن عامر الذي قتَل ولده الأكبر، فأرسل معه جيشا كبيرا كان من بين قادته صلاح الدين الأيوبي. فهزم ضرغام واستعاد شاور حقه حاكما على مصر. ولكن شاور ما لبث أن بدأ يتلاعب بأمير الدين وجنده حيث كان يظهر محاباته للإفرنج في غير ما مرة، وهو الأمر الذي زاد من مخاوف أمير الدين أن يسلمهم مصر على طبق من ذهب. فما كان له إلا أن سير جيشا إلى مصر وكان على رأسه أسد الدين شيركوه عم صلا ح الدين وكان مقربا منه، بسط سيطرته على كل مصر دون أن ينزع الملك عن شاور. وقد أظهر صلاح الدين ابن أيوب حنكة منقطعة النظير في إدارة شؤون الدولة المصرية، وحلما ونجابة في التعامل مع الناس على الرغم من مخالفته إياهم في المذهب، إذ كان سنيا ومعظم أهل مصر وملكها على مذهب التشيع، إلى جانب بسالة ودقة في التخطيط داخل ساحات الوغى، فملك قلوب الناس وحاز ثقتهم واحترامهم. ثم لما اشتد مرض شاور، في مرض موته، تولى صلاح الدين حكم مصر عام 564هـ وكان ذلك محط ترحيب معظم أهل أرض الكنانة، ليعيش المسلمون عهدا جديدا ملأه العدل والخير والفتوحات ضد الصليبيين المتربصين ببلاد المسلمين ومقدساتهم، وضد دعاة الفرقة والمرتزقة من المسلمين الذين قويت شوكتهم واشتد عبثهم خاصة بعد وفاة أمير الدين محمود.
وكانت أول إنجازات صلاح الدين أن وحد مصر والشام، فدخل دمشق سنة 570هـ أتبعها مدينة حلب وحمص مباشرة. وقد فرح الناس بمقدمه غاية الفرح لما عرفوه عنه من حزم وعدل، فرصوا صفوفهم خلفه. ثم جعل يوجه جل جهده وتركيزه على صد هجمات الصليبين وانتزاع الثغور المغتصبة من بين أيديهم، فقامت بينه وبينهم مواقع ومعارك عديدة، مني في أولاها بهزيمة في الرملة عام 573 للهجرة. لكن هذه الهزيمة على مرارتها، لم تثن إصرار صلاح الدين على المضي في مشروعه لتحرير أرض الإسلام. وفي عام 583هـ /1187م، أوقع صلاح الدين هزيمة نكراء بالصليبين في معركة حطين التي تمكن فيها من أسر ملك القدس آنذاك كاي دو لوزينيان. وبعدها بأسابيع قليلة استطاع استعادة كل من عكا وصيدا وعسقلان والناصرة، قبل أن يدخل القدس، أحد أبرز الإنجازات في الذاكرة الإسلامية، يوم الجمعة 27 رجب 583 هـ / 2 أكتوبر 1187م، بعد حصار وقتال امتدا أياما أظهر فيها صلاح الدين شهامة وأخلاقا عالية جعلت اسمه يدون بماء من ذهب في سجل عظماء التاريخ، بأقلام العدو قبل الصديق.
وبعد ذلك الفتح الخالد، ظل سيف صلاح الدين مشهورا على الصليبيين في أكثر من موقعة، ما بين هزيمة وصلح وانتصار، إلى أن أسلم القائد البطل روحه إلى بارئها بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء 27 صفر 589 هـ/ 4 مارس 1193 م.
تاريخ الميلاد:1137م
تاريخ الوفاة: 04-03-1193م